فصل: الحديث العَاشِر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.أما الْأَحَادِيث:

فزائدة عَلَى الْأَرْبَعين.

.الحديث الأول:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُضحي بكبشين أملحين أقرنين».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزَادا: «ذبحهما بِيَدِهِ وَسَمَّى وكب، ر وَوضع رجله عَلَى صفاحهما».
فَائِدَة: فِي الأملح أَقْوَال ذكرتها فِي شرحي للعمدة اخْتَار الرَّافِعِيّ مِنْهَا أَنه الَّذِي فِيهِ بَيَاض وَسَوَاد وَالْبَيَاض أَكثر، وَهُوَ قَول أبي زيد وَأبي عبيد. وَقَوله: «أقرنين» أَي لكل وَاحِد مِنْهُمَا قرنان حسنان. وَقَوله: «وَوضع رجله عَلَى صفاحهما» أَي صفحة الْعُنُق وَهِي جَانِبه. وَسبب اخْتِيَار الأملح قيل: إِنَّه لحسن منظره، وَقيل: لِكَثْرَة شحمه. حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ وَسَبقه إِلَيْهَا الْمَاوَرْدِيّ فِي حاويه.

.الحديث الثانى:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بكبش أقرن يطَأ فِي سَواد، وَينظر فِي سَواد، ويبرك فِي سَواد، فأتيِ بِهِ ليضحي بِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَة، هَلُمِّي المدية. ثمَّ قَالَ: اشحذيها بِحجر. فَفعلت، ثمَّ أَخذهَا وَأخذ الْكَبْش فأضجعه ثمَّ ذبحه، ثمَّ قَالَ: بِسم الله، اللَّهُمَّ تقبل من مُحَمَّد وَمن أمة مُحَمَّد. ثمَّ ضحى».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِكُل هَذِه الْحُرُوف وَمِنْه نقلته وَفِيه زِيَادَة عَلَى مَا فِي الرَّافِعِيّ، وَزَاد النَّسَائِيّ «وَيَأْكُل فِي سَواد» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «ضحى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بكبش أقرن يمشي فِي سَواد وَيَأْكُل فِي سَواد، وَينظر فِي سَواد».
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر الاقتراح بعد أَن عزاهُ من هَذِه الطَّرِيق إِلَى أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَتَصْحِيح التِّرْمِذِيّ: هُوَ عَلَى شَرط مُسلم.
فَائِدَة: مَعْنَى «يطَأ فِي سَواد، وَينظر فِي سَواد، ويبرك فِي سَواد» قوائمه وبطنه وَمَا حول عَيْنَيْهِ أسود. قَالَه النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم وَسَبقه إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب وَقَالَ: وَقيل إِنَّه إِشَارَة إِلَى كَثْرَة ظله لسمِنه وضخامة جسده. وَمَعْنى «هَلُمِّي المدية»: هاتيها، وَهِي مُثَلّثَة الْمِيم، أَعنِي: المدية. و«اشحذيها» بالشين الْمُعْجَمَة والحاء الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة وبالذال الْمُعْجَمَة أَي: حدديها. وَوَقع فِي سنَن أبي دَاوُد: «اشحثيها» بالثاء الْمُثَلَّثَة وَهِي بِمَعْنى اشحذيها؛ لِأَن الذَّال والثاء متقاربان. وَقَوله: «وَأخذ الْكَبْش فأضجعه ثمَّ ذبحه ثمَّ قَالَ: بِسم الله...» إِلَى آخِره فِيهِ تَقْدِيم وتأخي، ر وَالتَّقْدِير: فأضجعه ثمَّ أَخذ فِي ذبحه قَائِلا بِسم الله... إِلَى آخِره مضحيًا بِهِ، وَلَفظه «ثمَّ» هُنَا متأولة عَلَى مَا ذكرته بِلَا شكّ.

.الحديث الثَّالِث:

عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «عظموا أضحياكم فَإِنَّهَا عَلَى الصِّرَاط مَطَايَاكُمْ».
هَذَا الحَدِيث لَا يحضرني من خرَّجه بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ، وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: إِنَّه غير مَعْرُوف وَلَا ثَابت فِيمَا علمناه. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي الأحوذي شرح التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ فِي فضل الْأُضْحِية حَدِيث صَحِيح. قَالَ: وَمِنْهَا قَوْله: «إِنَّهَا مَطَايَاكُمْ إِلَى الْجنَّة» وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه بَاب مَا جَاءَ فِي فضل الْأُضْحِية. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَا عمل آدَمِيّ من عمل يَوْم النَّحْر أحب إِلَى الله من إهراق الدَّم، إِنَّهَا لتأتي يَوْم الْقِيَامَة بقرونها وَأَشْعَارهَا وأظلافها، وَإِن الدَّم ليَقَع من الله بمَكَان قبل أَن يَقع من الأَرْض، فطيبوا نفسا لَهَا» قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه بَاب مَا جَاءَ فِي فضل الْأُضْحِية: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قلت: وَأخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد.
وَفِيه نظر؛ فَإِن فِي إِسْنَاده سُلَيْمَان بن يزِيد أَبُو الْمثنى الكعبي الْخُزَاعِيّ تَركه بَعضهم، وَقَالَ الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَخَالف فِي ثقاته فَذكره فِيهَا.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب عَن عمرَان بن حُصَيْن، وَزيد بن أَرقم. قَالَ: وَيروَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي الْأُضْحِية: «لصَاحِبهَا بِكُل شَعْرَة حَسَنَة» وَيروَى «بقرونها».
قلت: أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث زيد بن أَرقم: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، مَا هَذِه الْأَضَاحِي؟ قَالَ: سنة أبيكم إِبْرَاهِيم. قُلْنَا: فَمَا لنا مِنْهَا؟ قَالَ: بِكُل شَعْرَة حَسَنَة. قُلْنَا: يَا رَسُول الله فالصوف؟ قَالَ: بِكُل شَعْرَة من الصُّوف حَسَنَة» ثمَّ قَالَ: صَحِيح. وَفِيه نظر؛ لِأَن فِيهِ عَائِذ الله الْمُجَاشِعِي قَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح حَدِيثه.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الْمَنَاكِير، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ.
فَائِدَة: قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث الَّذِي أوردهُ الرَّافِعِيّ: قيل: المُرَاد بهَا تهَيَّأ مراكب المضحين يَوْم الْقِيَامَة. وَقيل: المُرَاد أَن التَّضْحِيَة بهَا تسهل الْجَوَاز عَلَى الصِّرَاط.

.الحديث الرَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ثَلَاث هِيَ عَلّي فَرَائض وَلكم تطوع: النَّحْر، وَالْوتر، وركعتي الضُّحَى»
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب صَلَاة التَّطَوُّع وأسلفنا الْكَلَام عَلَيْهِ هُنَاكَ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى: «ثَلَاث كتبت عليّ وَلم تكْتب عَلَيْكُم: الضُّحَى، والأضحى، وَالْوتر» وَهَذِه الرِّوَايَة بِمَعْنى الأولَى.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا دخل الْعشْر وَأَرَادَ أحدكُم أَن يُضحي فَلَا يمس من شعره وبشره شَيْئا».
هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا دخل الْعشْر وَعِنْده أضْحِية يُرِيد أَن يُضحي فَلَا يَأْخُذن شعرًا وَلَا يقلمن ظفرًا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا رَأَيْتُمْ هِلَال ذِي الْحجَّة وَأَرَادَ أحدكُم أَن يُضحي فليمسك من شعره وأظافره» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور الثَّانِي مَرْفُوعا ثمَّ قَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَى أم سَلمَة ثمَّ قَالَ: هَذَا شَاهد للَّذي قبله.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّحِيح عِنْدِي أَنه مَوْقُوف. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِاللَّفْظِ الثَّانِي مَرْفُوعا ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره: قَالَ الشَّافِعِي: فِي هَذَا الحَدِيث دلَالَة عَلَى أَن الضحية لَيست بِوَاجِب لقَوْله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «وَأَرَادَ أحدكُم أَن يُضحي» وَلَو كَانَت الضحية وَاجِبَة أشبه أَن يَقُول: فَلَا يمس من شعره حَتَّى يُضحي. قَالَ أَصْحَابنَا: وَالْحكمَة فِي النَّهْي أَن يَبْقَى كَامِل الْأَجْزَاء ليعتق من النَّار.
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب: وَقد ورد أَن الله تَعَالَى يعْتق بِكُل عُضْو من الضحية عضوا من المضحي. وَهَذَا غَرِيب لَا يحضرني من خرجه.
وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: إِنَّه حَدِيث غير مَعْرُوف وَإنَّهُ لم يجد لَهُ سندًا يثبت بِهِ. هَذَا كَلَامه.
قلت: وَفِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ نَحوه من حَدِيث أبي دَاوُد النَّخعِيّ، عَن عبد الله بن حسن بن حسن، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «من ضحى طيبَة بهَا نَفسه محتسبًا بأضحيته كَانَت لَهُ حِجَابا من النَّار».
وَأَبُو دَاوُد هَذَا كَذَّاب، قَالَ أَحْمد: كَانَ يضع الحَدِيث. وَمن الْعلمَاء من أبدى لذَلِك حِكْمَة أُخْرَى وَهِي التَّشَبُّه بالمحرم، وَللشَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي قَوْله: «لَا يمس من شعره وبشره» تَأْوِيلَانِ: أَحدهمَا: أَن المُرَاد من الشّعْر شعر الرَّأْس وَمن الْبشر شعر الْبدن. وَعَلَى هَذَا لَا يكره تقليم الْأَظْفَار، وَقد سلف التَّصْرِيح بِأَنَّهُ لَا يقلم الظفر، فَالْقَوْل بِعَدَمِ الْكَرَاهَة بعيد.

.الحديث السَّادِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي حَدِيث الْعَقِيقَة: «لَا يضركم ذكرانًا كن أَو إِنَاثًا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة أم كرز الْكَعْبِيَّة الصحابية رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَقِيقَة فَقَالَ: عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة شَاة وَلَا يضركم ذكرانًا كن أم إِنَاثًا». وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. وَاللَّفْظ الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ لفظ التِّرْمِذِيّ أخرجه عَن الْحسن بن عَلّي، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن سِبَاع بن ثَابت أَن مُحَمَّد بن ثَابت بن سِبَاع أخبرهُ أَن أم كرز أخْبرته «أَنَّهَا سَأَلت....» الحَدِيث، وَلَفظ أبي دَاوُد: سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «عَن الْغُلَام شَاتَان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة، لَا يضركم ذكرانًا كن أم إِنَاثًا». أخرجه هَكَذَا عَن مُسَدّد، نَا سُفْيَان، عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن سِبَاع بن ثَابت بِهِ. إِلَى قَوْله: «شَاة» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الحَدِيث، وَحَدِيث سُفْيَان وهم. وَلَفظ النَّسَائِيّ: «أتيت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحُدَيْبِية أسأله عَن لُحُوم الْهَدْي فَسَمعته يَقُول: عَلَى الْغُلَام شَاتَان وَعَلَى الْجَارِيَة شَاة، لَا يضركم ذكرانًا كن أم إِنَاثًا». أخرجه هَكَذَا عَن قُتَيْبَة، ثَنَا سُفْيَان، عَن عبيد الله- وَهُوَ ابْن أبي يزِيد- عَن سِبَاع، عَن أم كرز... الحَدِيث. قَالَ: وأبنا عَمْرو بن عَلّي، ثَنَا يَحْيَى، ثَنَا ابْن جريج، حَدثنِي عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن سِبَاع بن ثَابت، عَن أم كرز مَرْفُوعا: «عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة شَاة، لَا يضركم ذكرانًا كن أَو إِنَاثًا».
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَرِوَايَة أبي دَاوُد معلولة بِأبي يزِيد وَالِد عبيد الله وَهُوَ لَا يعرف حَاله وَلَا رَوَى عَنهُ غير ابْنه، وَعلة أُخْرَى وَذَلِكَ أَن مَا بَين سِبَاع وَأم كرز مُنْقَطع، يتَبَيَّن ذَلِك من رِوَايَة التِّرْمِذِيّ- وَقد تقدّمت- فَإِنَّهَا تورث شكًّا فِي سَماع سِبَاع من أم كرز، لَا جرم أَن أَبَا دَاوُد قَالَ: إِنَّه وهم. وَقد تبين عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ أَن عبيد الله سمع من سِبَاع، وَأَن سباعًا سمع من أم كرز فَصَارَ حَدِيث سُفْيَان وهما. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ثَنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي، ثَنَا يزِيد بن سِنَان، ثَنَا مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي، ثَنَا ابْن جريج، أَخْبرنِي عبيد الله بن أبي يزِيد أَن سِبَاع بن ثَابت ابْن عَم مُحَمَّد بن ثَابت أخبرهُ أَن أم كرز أخْبرته «أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَقِيقَة فَقَالَ: يعق عَن الْغُلَام شَاتَان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة، وَلَا يضركم ذكرانًا كن أم إِنَاثًا» قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلَا بعد فِي أَن يكون عبيد الله سَمعه من سِبَاع، فدليل قَوْله آنِفا أَنه أخبرهُ وسَمعه من أَبِيه عَنهُ فَحدث بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ.
قلت: وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك، وَخرج فِيهِ بِأَن أَبَاهُ حَدثهُ بِهِ، أخرجه من حَدِيث الْحميدِي، ثَنَا سُفْيَان، عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، حَدثنِي أبي، عَن سِبَاع بن ثَابت، عَن أم كرز قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «أقرُّوا الطير عَلَى مكناتها» وسمعته يَقُول: «عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة شَاة، لَا يَضرك ذكرانًا كن أَو إِنَاثًا» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ كَذَلِك أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه فَقَالَ: أَنا أَحْمد بن عَلّي بن الْمثنى، ثَنَا أَبُو خَيْثَمَة، نَا سُفْيَان بِهِ سَوَاء، لكنه قَالَ: «لَا يضركم».

.الحديث السَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ضحوا بالجذع من الضَّأْن».
هَذَا الحَدِيث ذكره أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي محلاه من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي يَحْيَى، عَن أمه، عَن أم بِلَال مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، وَعَزاهُ إِلَى رِوَايَة مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ، ثمَّ أعله بِأم مُحَمَّد بن أبي يَحْيَى، وَقَالَ: إِنَّهَا مَجْهُولَة. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بلفظين عَن أم بِلَال مَرْفُوعا: أَحدهمَا: «ضحوا بالجذع من الضَّأْن فَإِنَّهُ جَائِز». ثَانِيهمَا: «يجوز الْجذع من الضَّأْن أضْحِية». وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِاللَّفْظِ الأول من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة.
وَأم بِلَال هَذِه ذكرهَا ابْن عبد الْبر، وَأَبُو نعيم، وَابْن مَنْدَه فِي كتب الصَّحَابَة، وَذكرهَا الْعجلِيّ فِي ثقاته وَقَالَ: تابعية ثِقَة. فَخَالف، وَاقْتصر الْمزي فِي تهذيبه وتلميذه الذَّهَبِيّ عَلَى ذَلِك، وَلَيْسَ بجيد لما عَلمته، وَالْأَمر كَمَا قَالَه أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي جَهَالَة أم مُحَمَّد هَذِه، فَلَا أعلم حَالهَا بعد الْكَشْف التَّام عَنْهَا.
وَرَوَى هَذَا الحَدِيث ابْن مَاجَه بالسند الْمَذْكُور عَن أم بِلَال بنت هِلَال، عَن أَبِيهَا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يجوز الْجذع من الضَّأْن أضْحِية». وهلال ذكره ابْن مَنْدَه فِي الصَّحَابَة، وَذكره ابْن حزم بعد ذَلِك من الطَّرِيق السالفة ثمَّ قَالَ: أم مُحَمَّد لَا يُدْرَى من هِيَ، وَزَاد هُنَا أَن أم بِلَال مَجْهُولَة لَا يُدْرَى ألها صُحْبَة أم لَا. وَقد علمت حَالهَا فِيمَا قدمنَا.

.الحديث الثَّامِن:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «نعمت الْأُضْحِية الْجذع من الضَّأْن».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي كباش قَالَ: «جلبت غنما جذعًا إِلَى الْمَدِينَة فكسدت عليّ، فَلَقِيت أَبَا هُرَيْرَة فَسَأَلته فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: نعم- أَو نعمت- الْأُضْحِية الْجذع من الضَّأْن. قَالَ: فانتهبه النَّاس» رَوَاهُ من حَدِيث عُثْمَان بن وَاقد- وَهُوَ مِمَّن اخْتلف فِي توثيقه، وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَقَالَ أَحْمد: لَا أرَى بِهِ بَأْسا. وَضَعفه أَبُو دَاوُد- عَن كدام- بِالدَّال- بن عبد الرَّحْمَن- وَهُوَ السّلمِيّ- عَن أبي كباش، وَلَا أعلم حَالهمَا فَيَأْتِي فيهمَا الْخلاف فِي الِاحْتِجَاج بالمستور. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب وَفِي بعض نسخه: حسن. قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا. قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن ابْن عَبَّاس، وَأم بِلَال بنت هِلَال عَن أَبِيهَا، وَجَابِر، وَعقبَة بن عَامر، وَغَيرهم. وَرَوَاهُ أَبُو أَحْمد فِي الكنى بِالْإِسْنَادِ السالف لَكِن بِلَفْظ: «نعم الْأُضْحِية الْجذع السمين من الضَّأْن» وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه، والسياق لَهُ، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث هِشَام بن سعد، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْأَضْحَى فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا جِبْرِيل كَيفَ رَأَيْت نسكنا هَذَا؟ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، لقد باهى بِهِ أهل السَّمَاء، وَاعْلَم يَا مُحَمَّد أَن الْجذع من الضَّأْن خير من الثَّنية من الْمعز وَالْإِبِل وَالْبَقر، وَلَو علم الله تَعَالَى فِيهِ ذبحا أفضل مِنْهُ لفدى بِهِ إِبْرَاهِيم» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: مُنكر، إِنَّمَا فدى بِهِ ابْن إِبْرَاهِيم، وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا حَدِيث رَوَاهُ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْجَنبي، وَقد قَالَ البُخَارِيّ: فِي حَدِيثه نظر، وَلَا يُتَابِعه عَلَى هَذَا الحَدِيث ثِقَة.
قلت: هُوَ هَالك، وَهِشَام بن سعد لَيْسَ بمعتمد، قَالَ ابْن عدي: مَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه. قَالَ الْعقيلِيّ: وَيروَى من حَدِيث زِيَاد بن مَيْمُون أَيْضا عَن أنس، وَزِيَاد هَذَا يكذب. وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ ذكره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة- التِّرْمِذِيّ- وَمن طَرِيق الْعقيلِيّ وَالْحَاكِم، لَكِن أخرج هَذَا مُخْتَصرا بِلَفْظ: «إِن جِبْرِيل قَالَ لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا مُحَمَّد، إِن الْجذع من الضَّأْن خير من المسنة من الْمعز» ثمَّ قَالَ: وَطَرِيق أبي هُرَيْرَة الأول أسقطها كلهَا وفضيحة الدَّهْر؛ لِأَنَّهُ عَن عُثْمَان بن وَاقد- وَهُوَ مَجْهُول- عَن كدام بن عبد الرَّحْمَن- وَلَا نَدْرِي من هُوَ- عَن أبي كباش الَّذِي جلب الكباش الْجَذعَة إِلَى الْمَدِينَة فبارت عَلَيْهِ. هَذَا نَص حَدِيثه، وَهنا جَاءَ مَا جَاءَ أَبُو كباش، وَمَا أَدْرَاك مَا أَبُو كباش. والطريقة الثَّانِيَة فِيهَا هِشَام بن سعد وَهُوَ ضَعِيف.
قلت: أما كدام فقد رَوَى عَنهُ أَبُو حنيفَة وابْن وَاقد، فارتفعت جَهَالَة عينه كَمَا سلف، وَبقيت جَهَالَة حَاله. وَأما عُثْمَان بن وَاقد فحاشاه من الْجَهَالَة، وَقد علمت أَنه مِمَّن اخْتلف فِيهِ كَمَا سلف لَك، وَقد رَوَى عَنهُ خلق. وَأما أَبُو كباش فَلَا أعلم رَوَى عَنهُ غير كدام، وَلَا رَوَى عَن غير أبي هُرَيْرَة. وَأما هِشَام فَقَالَ فِيهِ هُنَا مَا عَلمته، وَذكر عقبه أَنه ضَعِيف ضعفه أَحْمد بن حَنْبَل، وأساء القَوْل فِيهِ جدًّا وأطرحه، وَلم يجز الرِّوَايَة عَنهُ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، وَلَا ابْن معِين وَلَا غَيرهمَا، وَهِشَام هَذَا قَالَ ابْن معِين فِي حَقه فِي رِوَايَة صَالح: لَيْسَ بمتروك الحَدِيث. وَقَالَ فِي أُخْرَى: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: مَحَله الصدْق. وَقَالَ الْعجلِيّ: جَائِز الحَدِيث حسن الحَدِيث. وَاحْتج بِهِ مُسلم، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وَقد أخرج الْحَاكِم حَدِيثه كَمَا تقدم، وَقَالَ: صَالح الْإِسْنَاد. وَذكر ابْن حزم هَذَا الحَدِيث مرّة وَقَالَ: إِنَّه كذب ظَاهر، وَهُوَ قَوْله: «الَّذِي فدى الله إِبْرَاهِيم» وَلم يفد إِبْرَاهِيم بِلَا شكّ، وَإِنَّمَا فدى ابْنه.
فَائِدَة: الْجذع من الضَّأْن مَا لَهُ سنة تَامَّة، هَذَا هُوَ الْأَصَح وَالْأَشْهر فِي اللُّغَة، وَقيل: سِتَّة أشهر. وَقيل: وَدخل فِي السَّابِعَة. وَقيل: ثَمَانِيَة. وَقيل: عشرَة. وَقيل: إِن كَانَ ابْن شابين فستة إِلَى سَبْعَة، وَإِن كَانَ ابْن هرمين فثمانية.

.الحديث التَّاسِع:

عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خَطَبنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم النَّحْر بعد الصَّلَاة، فَقَالَ: من صَلَّى صَلَاتنَا ونسك نسكنا فقد أصَاب النّسك، وَمن نسك قبل الصَّلَاة فَلَا نسك لَهُ. فَقَامَ أَبُو بردة بن نيار خَال الْبَراء بن عَازِب فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لقد نسكت قبل أَن أخرج إِلَى الصَّلَاة. فَقَالَ: تِلْكَ شَاة لحم. قَالَ: فَإِن عِنْدِي عنَاقًا جَذَعَة هِيَ خير من شاتي لحم فَهَل تجزي عني؟ قَالَ: نعم، وَلنْ تجزي عَن أحد بعْدك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَهَذَا اللَّفْظ هُوَ لفظ إِحْدَى روايتي أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا بدل «فَلَا نسك لَهُ»: «فَتلك شَاة لحم» وَقَالا بعد قَوْله «قبل أَن أخرج إِلَى الصَّلَاة»: «وَعرفت أَن الْيَوْم يَوْم أكل وَشرب فتعجلت وأكلت وأطعمت أَهلِي وجيراني. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: تِلْكَ شَاة لحم...» الحَدِيث، وَلَفظ الشَّيْخَيْنِ عَن الْبَراء أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن أول مَا نبدأ بِهِ فِي يَوْمنَا هَذَا نصلي ثمَّ نرْجِع فننحر، فَمن فعل ذَلِك فقد أصَاب سنتنا، وَمن ذبح قبل فَإِنَّمَا هُوَ لحم قدمه لأَهله لَيْسَ من النّسك فِي شَيْء. وَكَانَ أَبُو بردة بن نيار قد ذبح فَقَالَ: عِنْدِي جذع خير من مُسِنَّة. فَقَالَ: اذْبَحْهَا وَلنْ تجزي عَن أحد بعْدك». وَفِي لفظ لَهما: «ذبح أَبُو بردة بن نيار قبل الصَّلَاة فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أبدلها. فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا جَذَعَة وَهِي خير من مُسنة. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: اجْعَلْهَا مَكَانهَا وَلنْ تجزي عَن أحد بعْدك» وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِن عِنْدِي داجنًا جَذَعَة من الْمعز» وَفِي رِوَايَة لَهما: «عنَاق لبن» وَفِي أُخْرَى: «عنَاق جَذَعَة».
فَائِدَة: «العناق» بِفَتْح الْعين: الْأُنْثَى من الْمعز إِذا قويت مَا لم تستكمل سنة. وَقَوله: «تجزي» هُوَ بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق غير مَهْمُوز فَهُوَ بِمَعْنى الْكِفَايَة. وَقَوله: «عنَاق لبن» مَعْنَاهُ صَغِيرَة قريبَة بِمَا ترْضع. وَقَوله: «وَلنْ تجزي عَن أحد بعْدك» أَي جَذَعَة الْمعز، وَهُوَ مُقْتَضَى سِيَاق الْكَلَام، وَإِلَّا فجذعة الضَّأْن تجزى، وَالْمعْنَى أَنَّهَا الْوَاجِب عَن أحد بعْدك.

.الحديث العَاشِر:

عَن عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قسم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحايا فَأَعْطَانِي عنَاقًا جَذَعَة فَقلت: عنَاق. فَقَالَ: ضح بِهِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «قسم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أَصْحَابه ضحايا فَصَارَت لعقبة جَذَعَة فَقلت: يَا رَسُول الله، أصابني جذع. فَقَالَ: ضح بِهِ أَنْت». وَفِي رِوَايَة لَهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أعطَاهُ غنما يقسمها عَلَى أَصْحَابه فَبَقيَ عتود، فَذكره للنَّبِي فَقَالَ: ضح بِهِ أَنْت». وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث، وَالْجمع بَينه وَبَين الَّذِي قبله فِي شرحي للعمدة فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث الحَادِي عشر:

عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن مَاذَا يتقَى من الضَّحَايَا، فَقَالَ: العرجاء الْبَين ظلعها- وَيروَى: عرجها- والعوراء الْبَين عورها، والمريضة الْبَين مَرضهَا، والعجفاء الَّتِي لَا تنقي».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ، وَأحمد فِي مُسْنده، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة د ت ق ن وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَهُوَ حَدِيث عَظِيم، أصل من أصُول هَذَا الْبَاب، قَالَ الإِمَام أَحْمد: مَا أحْسنه من حَدِيث. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح لَا أعرفهُ إِلَّا من حَدِيث عبيد بن فَيْرُوز عَن الْبَراء، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح.
قلت: ومداره عَلَى عبيد بن فَيْرُوز، وَهُوَ أَبُو الضَّحَّاك مولَى بني شَيبَان عَن الْبَراء، وَرَوَاهُ جمَاعَة عَنهُ مِنْهُم عَمْرو بن الْحَارِث. قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: عبيد بن فَيْرُوز هَذَا من أهل مصر، وَلم يدر ألقيه عَمْرو بن الْحَارِث أم لَا، فَنَظَرْنَا فَإِذا عَمْرو بن الْحَارِث لم يسمعهُ من عبيد بن فَيْرُوز، إِنَّمَا سَمعه من يزِيد بن أبي حبيب عَنهُ، ثمَّ نَظرنَا فَإِذا يزِيد بن أبي حبيب لم يسمعهُ من عبيد بن فَيْرُوز، إِنَّمَا سَمعه من سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، عَن عبيد بن فَيْرُوز لَكِن لم يذكر سَماع سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن من عبيد، ثمَّ نَظرنَا فَإِذا سُلَيْمَان هَذَا لم يسمعهُ من عبيد بن فَيْرُوز، وَإِنَّمَا رَوَاهُ لَيْث بن سعد، عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْقَاسِم مولَى خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة، عَن عبيد بن فَيْرُوز. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: فَإِذا الحَدِيث حَدِيث لَيْث بن سعد، عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن... إِلَى أَن قَالَ: قَالَ عُثْمَان بن عمر: فَقلت لليث بن سعد: يَا أَبَا الْحَارِث، إِن شُعْبَة يروي هَذَا الحَدِيث عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن أَنه سمع عبيد بن فَيْرُوز. قَالَ: لَا، إِنَّمَا حَدثنَا بِهِ سُلَيْمَان، عَن الْقَاسِم مولَى خَالِد، عَن عبيد بن فَيْرُوز. قَالَ عُثْمَان بن عمر: فَلَقِيت شُعْبَة فَقلت لَهُ: إِن ليثًا حَدثنَا بِهَذَا الحَدِيث عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْقَاسِم، عَن عبيد بن فَيْرُوز. قَالَ: فَقَالَ شُعْبَة: هَكَذَا حفظته كَمَا حدثت بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا رَوَاهُ عُثْمَان بن عمر، عَن لَيْث بن سعد. وَقد رَوَاهُ يَحْيَى بن بكير، عَن اللَّيْث بن سعد، عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، عَن عبيد بن فَيْرُوز، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يزِيد بن أبي حبيب وَشعْبَة بن الْحجَّاج عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، وَذكر شُعْبَة سَماع سُلَيْمَان من عبيد بن فَيْرُوز. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِيمَا بَلغنِي عَن التِّرْمِذِيّ، عَن البُخَارِيّ أَنه كَانَ يمِيل إِلَى تَصْحِيح رِوَايَة شُعْبَة وَلَا يرْضَى رِوَايَة عُثْمَان بن عمر.
قلت: وَكَذَلِكَ أخرجه أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، رَوَاهُ أَحْمد، عَن عَفَّان، نَا شُعْبَة، أَخْبرنِي سُلَيْمَان بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة شُعْبَة بِهِ، وَمن رِوَايَة يزِيد بن أبي حبيب عَن سُلَيْمَان بِهِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة شُعْبَة بِهِ، وَمن رِوَايَة عَمْرو بن الْحَارِث وَاللَّيْث، عَن سُلَيْمَان بِهِ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة شُعْبَة بِهِ. قَالَ الْمزي فِي أَطْرَافه: وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل ابْن أبي أويس، عَن مَالك بن أنس، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن عبيد، عَن الْبَراء، وَخَالف روح بن عبَادَة فَرَوَاهُ عَن أُسَامَة بن زيد، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عبيد.
وَأخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من رِوَايَة شُعْبَة أَيْضا ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم لقلَّة رِوَايَات سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، وَقد أظهر عَلّي بن الْمَدِينِيّ فضائله وإتقانه. قَالَ: وَلِهَذَا الحَدِيث شَوَاهِد مُتَفَرِّقَة بأسانيد صَحِيحَة ثمَّ سَاقهَا بِإِسْنَادِهِ. هَذَا كَلَامه فِي أَوَاخِر كتاب الْحَج من مُسْتَدْركه ثمَّ أَعَادَهُ فِي كتاب الضَّحَايَا مِنْهُ من رِوَايَة أَيُّوب بن سُوَيْد- وَقد ضعفه أَحْمد- عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عبد الله بن عَامر، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن الْبَراء، وَمن رِوَايَة أَيُّوب الْمَذْكُور، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْبَراء. قَالَ الْحَاكِم: قَالَ الرّبيع فِي كتابي بالإسنادين. قَالَ الْحَاكِم: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: إِنَّمَا أخرج مُسلم حَدِيث سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن عَن عبيد بن فَيْرُوز، وَهُوَ مِمَّا أَخذ عَلَى مُسلم لاخْتِلَاف الناقلين فِيهِ. هَذَا آخر كَلَامه، ودعواه أَن مُسلما أخرج الحَدِيث من الطَّرِيق الْمَذْكُور عَجِيب مِنْهُ؛ فَلَيْسَ هُوَ فِيهِ أصلا، بل لم يخرج مُسلم فِي صَحِيحه عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن وَلَا عَن عبيد بن فَيْرُوز أصلا لَا الحَدِيث الْمَذْكُور وَلَا غَيره، وَالْحَاكِم مِمَّن قَالَ فِي أَوَاخِر كتاب الْحَج فِي حَدِيث سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن عَن عبيد بن فَيْرُوز: لم يُخرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم. ثمَّ شرع بعد ذَلِك يعْتَذر عَن السَّبَب الْمُوجب لعدم تخريجهما لَهُ، وَهَذَا من أعجب الْعجب مِنْهُ إِذا عرفت طرق هَذَا الحَدِيث فهاك أَلْفَاظه:
فَلفظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عبيد بن فَيْرُوز قَالَ: «سَأَلنَا الْبَراء عَمَّا لَا يجوز فِي الْأَضَاحِي فَقَالَ: قَامَ فِينَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصابعي أقصر من أَصَابِعه، وأناملي أقصر من أنامله- فَقَالَ: أَربع- وَأَشَارَ بِأَرْبَع أَصَابِعه- لَا تجوز فِي الْأَضَاحِي: العوراء بيَّن عورها، والمريضة بيِّن مَرضهَا، والعرجاء بيِّن ظلعها، والكسير الَّتِي لَا تنقي. ثمَّ قَالَ: قلت: فَإِنِّي أكره أَن يكون فِي السن نقص. قَالَ: مَا كرهت فَدَعْهُ وَلَا تحرمه عَلَى أحد» وَفِي رِوَايَة للنسائي: «والعجفاء الَّتِي لَا تنقي» بدل «الكسير» وَلَفظ التِّرْمِذِيّ أَن الْبَراء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا يضحى بالعرجاء بَين ظلعها، وَلَا العوراء بَين عورها، وَلَا بالمريضة بَين مَرضهَا، وَلَا بالعجفاء الَّتِي لَا تنقي».
وَلَفظ الْمُوَطَّأ نَحْو رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ إِلَى قَوْله: «لَا تنقي»، وَجعل بدل «الكسير»: «الْعَجْفَاء».
وَلَفظ ابْن مَاجَه عَن عبيد بن فَيْرُوز: «قلت للبراء بن عَازِب: حَدثنِي مَا كره أَو نهَى عَنهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَضَاحِي، فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم هَكَذَا بِيَدِهِ- ويدي أقصر من يَده-: أَربع لَا تُجزئ فِي الْأَضَاحِي: العوراء الْبَين عورها، والمريضة الْبَين مَرضهَا، والعرجاء الْبَين ظلعها، والكسير الَّتِي لَا تنقي. قلت: فَإِنِّي أكره أَن يكون نقص الْأذن قَالَ: فَمَا كرهت مِنْهُ فَدَعْهُ وَلَا تحرمه عَلَى أحد».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِكُل هَذِه الْأَلْفَاظ، وَلَفظ أَحْمد وَالْحَاكِم وَابْن حبَان بِنَحْوِ مَا تقدم.
فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «الْبَين ظلعها» هُوَ بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام. قَالَ صَاحب المعرب: وَهُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ غَيره: قد تسكن اللَّام، وَهُوَ العرج. قَالَ الْجَوْهَرِي فِي «ظلع» بالظاء الْمُعْجَمَة: ظلع الْبَعِير يظلع ظلعًا: أَي غمز فِي مَشْيه. انْتَهَى. وَكتبه بَعضهم بالصَّاد الساقطة غير الْمُعْجَمَة. وَقَوله: «الَّتِي لَا تُنْقِي» هُوَ بِضَم التَّاء، وَإِسْكَان النُّون، وَكسر الْقَاف أَي: لَا نِقْى لَهَا- بِكَسْر النُّون، وَإِسْكَان الْقَاف- وَهُوَ المخ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقيل: هِيَ الَّتِي يُوجد فِيهَا شَحم يُقَال: أنقت الْإِبِل وَغَيرهَا إِذا سمنت، وَصَارَ فِيهَا نقي وَهُوَ المخ، وَهَذِه نَاقَة منقية، وناقة لَا تُنقى.